أرسلت لي سيدة
تبث همها وحيرتها في مشكلتها التي تؤرقها وتسيطر عليها وتجعل من تصرفاتها بالغريبة
والمبهمة لزوجها ولها أيضاً , فالحيرة تزداد وتيرتها بداخل أغوارها , تتدفق بشدة مثل
اندفاع الحمم من فوهة بركان تلقي بحممها النارية الحارقة علي كل شيء من مشاعرها
وأحاسيسها تجاه زوجها , لذلك أرسلت تبث لي حيرتها التي لا تقبلها غياهب عقلها ,
تشكو أن الصراع بداخلها يزداد وتيرته يوماً بعد يوم وهي حائرة بينهما لذلك أرسلت
لي قصتها لعلها تجد شاطئ الأمان لدي.
إنها سيدة في
العقد الخامس من عمرها تعمل في وظيفة مرموقة , متزوجة منذ أكثر من خمسة وعشرون عام
كانت بدايتها قصة حُب ملتهبة العاطفة والمشاعر , لديها من الأبناء شاب وشابة قد
انهوا دراستهم الجامعية والحياة بهم مستقرة لا خطب فيها, علاقاتها بالجميع تمتاز
بالقوة والصلابة والمحبة وبخاصة من أهل الزوج الذين يعتبرونها ابنة لهم في واقع
الأمر , كل الأحوال كانت جيدة , زوج طيب حنون وحياة زوجية تتأرجح ما بين أيام
حزينة ولحظات من السعادة والفرحة الجماعية , لم يكن لها شكوي من شيء يعكر صفو
حياتها , لكن منذ ثلاثة سنوات حدث شيء قد احدث بداخلها شيء من التغيير وخلق نوع من
التمرد الذي نما كرضيع ضعيف في ظُلمات قلبها حتي صار الآن فتياً يعذبها بشدة .
منذ ثلاثة
سنوات سافر زوجها إلي محافظة نائية بسبب العمل وقد شعرت بالفراغ حينما لم تجد
زوجها كعادته بجوارها يسامرها ويشاركها لحظاتها وأحاديثها كعادته , شعرت أن الوحدة
تتسلل إلي جوفها في ظلمة تلك الليالي الباردة تملأ قلبها بمشاعر الضيق والوحدة
التي صارت تعاني منها كثيراً في تلك الفترة , كانت كالطفلة التي تبحث عن مصدر ثاني
ينصت إلي كلماتها وأحاديثها ومشاعرها وتفاهاتها , كانت في ظلمة تبحث عن طريق يؤدي
بها في نهاية المطاف لحكاية جديدة تملأ ذلك الفراغ الذي انتابها منذ لحظة رحيل
زوجها .
بالفعل صارت
في الطريق غير مكترثة بالنتائج التي سوف تؤول إليها الأحداث في نهاية ذلك الطريق ,
وجدت ضالتها في مواقع التواصل الاجتماعي وصارت مدمنة في تتبع كل شيء بها وشرعت
الأبواب لرجال يرغبون في صداقتها , كانت تظن أنها تفعل الصواب في كل هذا الكم من
مشاعر الوحدة وأحاسيس الفراغ التي كانت تمثل لها جبال شاهقة تحجب رؤية كل شيء جميل
في حياتها , كانت تظن أنها علي صواب وأن هنالك بالفعل صداقة بين الرجل والمرأة
طالما هنالك حدود يلتزم بها الجميع .
في واقع الأمر
استطبت الأمر وصار لها من الأصدقاء العديد والعديد من الرجال يلقون عليها في كل
لحظة الكلمات الرومانسية والرسائل الممزوجة بالود والغزل العفيف وباقات الورد
الوهمية في كل لحظة من يومها حتي صارت في عُزلة وقد شيدت بداخلها أسوار مملكتها تجلس
بكل أريحية علي عرش تلك المملكة كملكة متوجة بهتافات هؤلاء الرجال من الغزل
والأحاديث التي تلقي صدد طيب بداخلها كأنها تعيد لها شبابها من جديد , لم تتخطى
حدودها في يوم ما ولم تسمح لأحدهم أن يفعل ذلك , لكن شعرت أن هنالك بداخلها قد
تغير شيء ما , لم تعد تلك المرأة التي كان زوجها يملأ حبه فؤادها , هنالك شيء قد
تحطم وازداد الشروخ في فؤادها كلما زادت كلمات شعب مملكتها من الرجال في مديح
ملكته المتوجة التي هي أجمل النساء وأرق من رأت أعينهم .
مضي ذلك العام
وعاد زوجها من تلك المحافظة النائية ليسكن بجوار حبيبته مرة أخري كما كان يظن ,
لكن أين هي تلك الحبيبة التي ظن أنه سوف يجدها تنتظره بلهفة وشوق كعادتها , اختفت
مملكتها الوهمية فجأة كأن هنالك شخص ما قد أزاح كل ما فيها من سحابات أحلامها
وأوهامها التي شيدتها بكلمات هؤلاء الأصدقاء , استيقظت فجأة علي واقع لم تتقبله
وصار هنالك مقاومة بداخلها للعودة إليه , تغير كل شيء بداخلها , حب زوجها الذي ظل
ينبض مع خلجات فؤادها قد مات ولم تشعر به , صارت لا تقبل فكرة وجوده بجوارها أو
يقيم معها علاقة حميمية , كانت تصطنع معه المشاكل لكي تبوح له بمشاعرها الجديدة
نحوه , صار الجميع ينتبهون إلي كل تلك التغيرات التي طرأت لطريقة حديثها إلي زوجها
, الزوج انتابته الحيرة في أمرها لا يدرك سبب كل هذا العنف والكراهية المتصاعدة .
في واقع الأمر
بداخلها رغبة عارمة في تشيد مملكتها من الجديد والعودة إليها فالمشاعر تجاه زوجها
قد صارت مثل جبال الثلج الشاهقة لا ينبت فيها شيء من جديد , ما بداخلها من حنين
لما كانت تفعله يدفعها دفعاً في طلب الطلاق العيش بمفردها ولكنها حائرة ... فماذا تفعل لو كنت مكاني ؟ !!
الفراغ
والوحدة والكلمات المنمقة والأحاديث الجميلة الشاعرية والسماء التي تمطر ورود بكل
ألوانها تغطي سماء مملكتك الوهمية يا سيدتي , ما بين واقع يتمثل في أسرة ناجحة بكل
المقاييس وزوج طيب حنون مُحب لك يشارك كل اللحظات الواقعية من فرح وحزن , حياة
زوجية قد مضي بها قطار العُمر ليصير لك أبناء صاروا رجال ونساء علي خطوات من بداية
حياة جديدة لهم بمفردهم ينتظرون العون منك , زوج لم يبقي له من صراع الدنيا سوي
زوجته رفيقة حياته يسكن إليها يكمل ما تبقي من خريف العُمر سوياً .
كل ذلك صار
قيوداً تقيد أجنحته التي نمت من كلمات هؤلاء الرجال تحاولين أن تهربي من ذلك
الواقع الجميل الذي يتمناه الكثيرين في حياتهم لتحلقي عالياً بمفردك وأنت مُطلقة
وحيدة بعيداً عن جنتك الحقيقية لتصعدي عالياً في سماء مواقع التواصل الاجتماعي
تشيدين أبراجها العالية من كلمات الأصدقاء الوهمية لك , بالفعل إنها قيود تكبح
خيالاتك وأنوثتك الضائعة والتي أعادها لك هؤلاء الرجال في حكايات من الوهم والخديعة
.
مصيبة العقد
الخامس من العُمر كما أظنها أنا , ذلك المفترق من الطرق الذي نجد أنفسنا علينا
الاختيار ما بين الحنين والعودة إلي مراهقتنا التي نركض خلفها , ندمر كل شيء من
حولنا من أجل لحظات من السعادة الوهمية , أو نختار درب العقل والنضج ونكمل رحلتنا
في سلام نصل بكل ما معنا في قارب الحياة إلي مرفأ الأمان , نطمئن عليهم نبتسم
لبعضنا البعض نتطلع إلي السماء نُعلنها أننا فعلنا الصواب , هي تلك مشكلتك يا
سيدتي بكل بساطة .
من المعروف أن
للمرأة حساسية خاصة وتقلبات شديدة في مشاعرها نتيجة لطبيعتها وطبيعة الهرمونات
الأنثوية التي يتغير بها الحال في العقد الخامس مما يجعلها غير قادرة علي التفكير
بروية في أمور هامة وتهرول خلف عواطفها فقط , مملكتك الحقيقية ليست في سماء وهمية
بل في أبنائك وزوجك المُحب وكل من يحيطون بك , اقتربي من زوجك واجعلي جُل همك هو
استعادة المشاعر الجميلة ثانية , شيدي جسراً من جديد يعيد لك الرضا والقرب من فؤاد
زوجك , امنحي ذلك الحب الذي مات في غفلة منك دفعات من أسير الحياة من روحك النقية
,تشاركي مع زوجك شيء يجعلكما في حالة انسجام روحاني من جديد مثلاً رحلة سياحية أو
عُمرة أو ما شابه ذلك , دائماً تذكري لهذا الرجل الجميل من صنعه طوال الحياة
بينكما فالانخراط في الحياة سوياً هو من صنع ذلك الحب القوي الذي تحاولين الآن
اخفاء نبضاته الضعيفة بداخلك .
هؤلاء
الأصدقاء من الرجال كما تظنين هم يرغبون في صداقتك بالفعل , لكن لشيء آخر وهو جسدك
وأموالك والقذف بك من أبراج مملكتك في سماء الوهم إلي مستنقع عفن من الخطيئة
والعار لك ولكل من يحبك , دائماً اجد أن حل جميع مشاكلنا هي تقوي الله والبعد عن
النفس اللوامة التي تُشرع لنا أبواب الشر علي مصرعيها , الطريق إلي الله نعلمه
جميعاً جيداً لأنه من هالة من نور , يسطع في كل وقت وكل حين , فقد يحتاج من يراه
بقلبه وروحاً طاهرة , عليك أن تجدي هذا النور في عتمة سمائك المُلبدة بمشاعر كاذبة
آفاقه.
atOptions = {
'key' : '029088b2f78d276e2b0ea2727061d752',
'format' : 'iframe',
'height' : 250,
'width' : 300,
'params' : {}
};
document.write('
إرسال تعليق