رواية ( بقايا رجل ) .. الفصل الخامس .. الموت وعبدالواحد

 

كانت الأيام تمر بصعوبة علي عبد الواحد وهو يشعر أن ما تبقي منة من سعادة داخل جدران ذلك المنزل قد اختفت مثل تلك العصافير التي كانت تسكن شجرة التوت في وسط باحة منزلة ثم هجرتها خوفاْ من شبح الموت الذي بدأ يزحف ببطء ليظلل علي منزل عبد الواحد بجناحية ليمنع أي شعاع من السعادة والفرحة تمر من بين أجنحته نحو عبد الواحد وأسرته الصغيرة.

 

 

 

هنية كانت تعلم أن النهاية قد اقتربت ولم يسمح لها القدر بالسعادة سوي لبضع سنوات قليلة مثلها مثل الكثير من نساء القرية اللاتي توفي أزواجهن بسبب تلك البلهارسيا اللعينة وتركت خلفهم أطفال يتامى لا يجدون قوت يومهم, فهذا المرض اللعين كان يفتك بالرجال في ريف مصر بدون رحمة أو شفقة فكل يوم تجد الصراخ والعويل ينبعث من أحد منازل تلك القرية مثل الرائحة العفنة رائحة الموت التي تخلف ورائها أحزان وتساؤلات تدوم لفترات طويلة داخل تلك المنازل, فكانت هنية تنظر إلي حسين الذي كان يبتسم لها فهو لم يكن يمتلك أكثر من تلك الابتسامة التي رغب أن تكون اخر شيء يمن أن تراها هنية من زوجها الحبيب فهو لا يعلم أن القدر لن يرحم ابنه حسين ولن يترك له طفولته لكي يعيشها مثل باقي الأطفال فقط سوف يتذكر والدة بعد ذلك مثل الطيف يمر بذاكرته فقط بألوان باهتة دون أن يدرك ماذا كان يفعل والدة من أجلة ولكن المرض كان أقوي من أي شيء فهو كان يفترس عبد الواحد كل يوم بدون شفقة أو رحمة .

 

 

 

عبد الواحد كان يشعر أنه سوف يترك حسين بدون أن يشعر حسين في يوماْ ما أن والدة كان يحبه حُباْ جماْ ولو كان يستطيع  أن يرفرف إلي تلك السماء ليأتي بجزء منها من أجلة لكان فعل ذلك من أجلة ولكن المرض كان يفترسه كل يوم ولم يبقي منة سوي أجنحة محطمة متكسرة علي صخرة ذلك المرض اللعين وأحلام تمناها يوماْ عبد الواحد ولكنها ماتت منذ زمن بعيد.

كان عبد الواحد يجد في صديقة الشيخ يوسف الملاذ والسلوي الذي يمنحه الأمل وطلب المغفرة من الله وأن الله لا يترك أحد من عبادة وأن الموت بيد الله فقط وليس بيد أحد أخر ولكن عبد الواحد مع مرور الوقت لم يكن يستطيع العمل بل كان يقضي معظم وقتة مريضاْ في مخدعه لا يستطيع النهوض من أجل أن يرعي أرضة التي أهملها بسبب المرض فكان الشيخ يوسف يقوم بزيارته دائماْ مما كان يمنح عبد الواحد الشعور بأن الشيخ يوسف أخ له ربما لم تلده أمة حيث أن أخية الأكبر سالم كان قليل الزيارة له ولم يهتم بشأنه أو بشأن زوجته وابنه حسين ولكن عبد الواحد كان يعلم جيداْ أنه لا يملك شيء في نهاية الأمر قد يستطيع أن يتركه لزوجته أو ابنه حسين ولكن كان يثق في صديقة الشيخ يوسف بأنه سوف يكون الصديق الوفي الذي سيحمل أمانته ليقف بجوار زوجته وابنه قدر ما يستطيع.

 

 

 

مر العام السادس علي حسين حيث التحق بالمدرسة الابتدائية في القرية وكانت

 فرحة والدية بأول يوم كانت رائعة كأن شعاع السعادة تلك استطاع أن يخترق حواجز الحزن والموت لينير قلبيهما للحظات عندما كانوا هما الاثنين يودعان حسين وهو ذاهب إلي المدرسة في أول يوم له فكان عبد الواحد يتحامل علي نفسة ليكون في وداع حسين واستقباله في الأيام الأولي لكي يلمس الفرحة في عيون حسين فلذة الكبدة والتي كانت تمنحه أيضاْ الرغبة في العيش رغم كل شيء.

كان يذهب حسين كل يوم بعد صلاة العصر إلي الشيخ يوسف ليحفظ القرآن ويتعلم قواعد اللغة العربية وكان الشيخ يوسف يعامله مثل ابنه فربما لأنه ابن صديقة أو لذكاء حسين ورغبته في التعلم أو ربما لأن الشيخ يوسف لم ينجب حتي تلك اللحظة بالرغم من مرور أكثر من أربعة سنوات علي زواجه فلم تنجب زوجته حتي الأن ولم يكن يريد الشيخ أن يؤلمها بكلمة واحد عن ذلك الأمر.

الأكيد أن الشيخ يوسف كان يسعد بقدوم حسين إلية حيث كان يضمه إلي صدرة

فكان يشعر حسين بمدي حُب الشيخ له حيث كان يخبر والدية بما يدور بينة وبين الشيخ يوسف فكان يطمئن عبد الواحد بأن الشيخ يوسف سوف يكون أميناْ علي ابنة حسين بعد وفاته وأنه سوف يلاقي ربة وهو مطمئن علي ولدة مع صديقة الشيخ يوسف.

 

 

 

اشتد المرض علي عبد الواحد حيث بدأ يتعرض لفترات من الغيبوبة مما جعلت الجميع يشعر أن الموت قادم لا محالة لكي يخطف روح عبد الواحد من بينهم بدون أن يفعلوا له شيئاْ فكانت تجلس هنية بجواره تبكي عاجزة عن فعل شيء لزوجها الذي لم تمنحه الحياة فرصة ليسعد بابنة الوحيد حسين ولم يكن حسين يفهم لماذا تبكي والدته ولماذا والدة لا يشعر به أو يبتسم له عند عودته من المدرسة, وكما كان ميلاد حسين في إحدى الليالي الصيفية رحل عبد الواحد في إحدى الليالي الصيفية مثل الضيف الغريب الوحيد طوال حياته فلم يكن بجواره عندما صعدت روحة إلي تلك السماء الصافية سوي هنية فقط, امتلأت جدران المنزل بالصراخ والعويل ولكن في تلك المّرة لم تكن صرخات طفل يولد بل صرخات ونحيب كأن جدران المنزل تبكي علي وفاة عبد الواحد الذي عاش في تلك الحياة مثل الطيف ورحل منها بدون أن يشعر به أحد, رحل في صمت تاركاْ تلك الرسوم التي رسمها بيده فرحاْ بقدوم حسين إلي الدنيا ولكن لم يكن يعلم أنه لن يرسم غيرها لحسين بعد الأن.

 

 

 

في مدافن القرية وقف جميع أبناء القرية بجوار مدفن والد عبد الواحد وعلي رؤوسهم الطير من هيبة لحظة الدفن والموت والتفكير بأننا كلنا سوف نرحل ونُدفن في بطن تلك الأرض يوماْ ما, وقف الشيخ يوسف وهو يبكي و الدموع تُبلل ثيابه الأزهرية و هو يدعو لصديقة عبد الواحد ويخطب في الناس بأن عزيزاْ علية ما قد فقدة اليوم وأفتقد معه ابتسامته وطيبته وقد ترك لهم ابنه حسين الذي يكاد يتخطى عمرة السابعة بدون أن يشعر بدفء وحنان والدة وأنه يجب علي كل رجال القرية أن يكونوا بمثابة الأب والعم والخال لحسين الذي فقط والدة وتركة أمانة بين رحمة وكرم الله علية.

كانت الأم تجلس في المنزل والدموع مازالت تتساقط من مقلتيها تتذكر لحظات السعادة القليلة التي كانت تمر عليها مع زوجها الطيب وكيف كان يشعر بعجزة في توفير حياة كريمة لها ولابنه حسين من بعدة فلم يكن يدري يوماْ ما أن الموت علي مقربة منة فقط خطوات بسيطة حيث ينتظره الموت لكي يصطحبه إلي مكان أخر ليس به هنية ولا وابنه حسين.

 

 

 

لم تكن زوجة عبد الواحد تدرك ماذا تفعل بعد موت زوجها وكيف سوف تعيش

 وتنفق علي حسين لكي يكمل مشوار تعليمة كما كان يحلم عبد الواحد بذلك فلم تكن تفعل شيء خارج تلك الجدران ولم يكن لها أحد يسأل عنها أو يساعدها في تربية ابنها حسين ولكنها كانت تعلم أن الله لن يتركها في تلك الظروف بل سوف يمنحها القدرة والرزق لكي تكمل تلك المسيرة من بعد عبد الواحد التي كانت تبكي علية طوال الوقت فكانت تناديه وهي تبكي لماذا تركها وحيدة في تلك الحياة دون أن يصطحبها معه حتي لا تكون فريسة للذئاب من بعدة وخاصتاْ أخية الذي بدأ يتردد عليها طمعاْ في قطعة الأرض التي كان يزرعها عبد الواحد قبل موتة.

فكانت تشعر أن تلك الذئاب بدأت تحوم حول المنزل ترغب في افتراسها ربما لأنها وحيدة وأرملة ومازالت صغيرة السن وهي بائسة لا تعلم ماذا تفعل لكي تحمي نفسها وابنها حسين من كل تلك الذئاب فالقرية لن تسمح لها بالبقاء أرملة في ذلك المنزل.

لم يبقي لهنية سوي الشيخ يوسف وزوجته التي كانت دائمة الزيارة لها لتمنحها الصبر والقدرة علي التحمل ولكن الموقف كان أقوي من الشيخ يوسف الذي شعر بالعجز بالرغم من محبة الناس له وبالرغم من أنه تعلم في الأزهر الشريف ويريد تغيير تقاليد تلك القرية البالية التي تمنع المرأة المُطلقة أو الأرملة بأن تخرج وتعمل لكي تعول أولادها بل كانت تلك التقاليد البالية مثل القيود التي تقيد حركة التنوير التي كان يريد الشيخ من خلالها أن يغير ثوابت تلك العقول المتحجرة نحو حق المرأة في الحياة وأن لها القرار أن تختار طريقة حياتها بدون أن يفرض ذلك أحداْ عليها ولكن في نهاية الأمر عجز الشيخ في فعل الكثير فقط كان يرسل زوجته لتساعد هنية بقدر المستطاع ولكن الشر كان متربصاْ بها يريد أن يغتصب ما تبقي لها من حرية وعدالة اجتماعية لم تشعر بها هنية من قبل .

 

 

 

بموت عبد الواحد هجرت طيور الشر أكواخها لكي تحوم وتحلق فوق منزل هنية لكي تنتظر اللحظة المناسبة وتمزق ما بقي من هنية والتي وجدت نفسها في نهاية الأمر لا تمتلك قرارها في الحياة لكي تحدده من بعد وفاة زوجها الحبيب.

👈لا تنسي الاشتراك في قناة حواديت مصرية علي التليجرام : https://t.me/hawadedmasiah


Post a Comment

أحدث أقدم