رواية بقايا رجل ( الفصل الأول - الجزء الأخير )


يتذكر عبد الواحد مشوار حياته واليتم الذي شعر به بعد وفاة أبيه والغُربة التي كان يشعر بها تجاة أخيه الأكبر سالم الذي أراد أن يملك كل شيء من بعد الأب راغباً بأن يجعل عبد الواحد ليس سوي أجير في أرضه التي ورثها من أبيه ولكن عبد الواحد جاهد مع أخيه سالم حتي نال نصيبه من تلك الأرض بعد وفاة الأم أيضاً.

لم يكن يفهم عبد الواحد لماذا كان يفعل سالم معه ذلك بالرغم من أنه ليس له أخوة أخريين ,هل السبب في ذلك الطمع أم تلك التقاليد التي تمنح الأخ الأكبر كل شيء ولكنه في نهاية الأمر استطاع أن يستعيد أرضه ليبني حياة جديدة له بعيداً عن أخيه سالم, حياة ربما يكون فيها وحيداً ولكنه أصبح رجلاْ ويستطيع أن يعيش مثل باقي أهل تلك القرية التي يسكنها عبد الواحد.

في ذلك المنزل الصغير المتواجد في أطراف تلك القرية الصغيرة كان عبد الواحد يشعر أن ذلك المنزل رغم بساطته فإنه بمثابة مملكته الخاصة به ربما لأنه يملك ذكري مع كل ركن بداخله وهو يبنيه بمفرده مثل حياته الجديدة أو ربما لأنه قبل ذلك كان يشعر بالوحدة وأن أحد لم يكن يهتم به بسبب وفاة الأب والأم وهو في سن صغير فلم يشعر بتلك المشاعر التي يمنحها الوالدين لأبنائهم ولم يكن له أيضاً فرصة لكي يتعلم مثل بعض أبناء القرية ,كان يشاهدهم وهم في طريقهم إلي الكُتاب أو إلي المدرسة التي بنتها حكومة الثورة من أجل تعليم أبناء الفلاحين ولكنه لم يستطع أن يكون مثلهم فالقدر لم يمنح عبد الواحد تلك الفرصة أو تلك الرفاهية لكي يجد طريقة لحياة أفضل بل كان أقصي مايتخيله عبد الواحد هو أن يزرع تلك الأرض ليستطيع أن يتزوج ويحقق بعض أحلامه التي كانت تراوده وهو صغير.

عبد الواحد كان يحلم بالكثير بسبب ما كان يعانيه من وحدة في حياته فكان دائماً يحدث زوجته "هنية "برغبته بأن يكون لديه الكثير من الأولاد ليكونوا عائلته التي لم يجدها في صباه وأنه سوف يجتهد ويكد في العمل لكي يستطيع أن يمنحهم فرصة التعليم التي لم يجدها في طفولته, كان عبدالواحد كثير الحديث عن تلك الأحلام لزوجته ربما لأنه لم يكن يجد أحد قبل زواجه يحكي له ويحدثة فالوحدة كانت قاتلة بالنسبة له ولكن الآن لديه هنية في ذلك المنزل الصغير تبتسم له و تمنحه مشاعر الحُب والحنان الذي حُرم منه من بعد وفاة الأب و الأم ,كانت هنية تشعر بداخلها بحب عبد الواحد وطيبه قلبه التي كانت تشع نوراً ودفئاً في ذلك المنزل البسيط.

فهنية لم تكن تختلف حياتها عن عبد الواحد في شيء فهي أيضاً لم تجد ماتتذكره من حياتها السابقة قبل زواجها من عبد الواحد من سعادة أو فرحة أو أحلام بل لم تكن تمتلك سوي حلم واحد فقط وهي أن تجد زوج رقيق القلب مثل عبد الواحد , فكانت تشعر أن عبد الواحد ربما يكون أفضل زوج في تلك القرية لها لأنه مثلها تماماً وربما نتيجة لكل تلك الظروف ربما يستطيعان معاً أن يخلقوا تلك السعادة التي لم يشعرا بها من قبل فربما يستطيعان أن يفعلا ذلك معاً.
كانت هنية تُؤمن بأن الحب يولد من رحم الأحزان والظروف الصعبة فكان يكفيها أن تجد قلب رجل طيب حنون مثل عبد الواحد بين تلك الجدران لتشعر بالأمان والرغبة في مشاركة عبد الواحد في تحقيق أحلامه التي كانت تشعر أن عبد الواحد يري ما بداخلها من رغبة في تعويض مافاتها من طفولة وحب لم تعرف عنه شيئاً سوي تلك الحكايات التي كانت يتغني بها المداحون في تلك الموالد التي كانت تأتي في مناسبات معينة في قريتهم تلك.
كان عبد الواحد يجتهد في زراعة تلك الأرض لكي يحصل علي بعض المال لكي يستطيع أن يؤسس ذلك المنزل الذي كان تقريباً لا يوجد به شيء سوي بعض المقاعد و الأثاث البسيط وغرفة النوم تلك التي لايوجد بها سوي ذلك المخدع الصغير الذي يكاد يجمعهما سوياً, كان عبد الواحد يريد أن يكون المنزل مكتملاً مثل باقي منازل القرية لكي عندما يرزق بأول طفل يجد كل شيء رائع وجميل وأنه لا يشعر بالحرمان مثل والديه فعندما علم عبد الواحد من زوجته أنه سوف يكون أباً لم يكن يشعر بانفعالاته والسعادة الغامرة التي خلقت له أجنحه من الهواء لكي يحمل هنية زوجته في الهواء ويرفرف بها داخل منزلهم الصغير.

لم يكن فرحة عبد الواحد بسبب أنه سوف يكون أباً بل كانت بسبب شعوره الدائم بأنه وحيداً في تلك الحياة وأنه لايشعر بأن هنالك أحد يهتم بأمره أو يشعره بالحب فكان إحساسه الداخلي بأن هذا الجنين سوف يمنحه تلك المشاعر التي افتقدها طوال حياته السابقة.
إذن هي بداية جديدة في حياة عبد الواحد وزوجته فأول مّرة يشعران أن الحياة أرادت أن تعوضهما كل تلك سنين الشقاء والوحدة من خلال هذا الجنين الذي بدأ يتحرك في أحشاء هنية ليربطهما سوياً طوال العُمر,حتي تلك الجدران كانت تشعر بالفرحة نظراً لقدوم طفل جديد بين أحضان زوجين يتمسكان ببعضهما البعض بقوة كأنهم في قلب عاصفة شديدة المراس ربما خوفاً من تقلبات القدر أو رغبة في تغيير مابداخلهم من مشاعر قد ترسخت علي جدران قلوبهما معاً من مشاعر الوحدة والخوف من القادم فكلاهما كان يخشي ذلك حتي تلك الجدران التي تحيط بهما في ذلك المنزل البسيط.
 كانوا يشعرون أن السعادة والفرحة سوف تأتي من رحم هنية مع ذلك المولود الذي سوف يمليء ذلك المنزل الصغير بصرخاته وضحكاته وحديثه الصاخب لكي يجعل من حلم عبد الواحد بوجود عائلة حقيقية له واقع وليس مجرد حلم فقط.
👈لا تنسي الاشتراك في قناة حواديت مصرية علي التليجرام : https://t.me/hawadedmasiah

Post a Comment

أحدث أقدم