حكايات جدي الحلقة الأولي


في الأجازات الصيفية كنت اتطلع للذهاب مع والدتي إلي قرية جدي حيث كانت هنالك مشقة كبيرة للسفر إلي هذه القرية ولكن رغم كل ذلك كنت أشعر بالسعادة الغامرة التي كانت تنتابني كثيراً أثناء سفري مع والدتي إلي هناك, ربما لأسباب كثيرة كنت أفضل الذهاب معها ربما لاجتمع مع والدتي وخالاتي أثناء الليل بجوار ذلك المصباح الذي يضيء باحة المنزل حول تلك الشجرة الضخمة شجرة التوت استرق السمع إلي حكاياتهم سوياً مع جدتي أو الحكايات التي يتذكرونها حول جدي أو ربما لحنيني الدائم لمنزل جدتي الذي كان مبني من الطوب اللبن والطين

 مازلت اتذكر كل شيء في هذا المنزل حيث يرقد ذلك الجرو أمام المنزل فجدتي دائماً تجد لديها جرو في المنزل فهي كانت تحب تربية الهرر والكلاب في منزلها, كان ذلك الجرو في إستقبالنا حيث ينبح علينا ليخبرنا أنه جالس هنا لحماية المنزل من الغرباء أو ربما لكي يسترعي إنتباه جدتي بأن هنالك أحد ما يقف علي باب المنزل حتي تأتي جدتي لتكافأه علي ذلك فيحاول ذلك الجرو التودد إليها ويهز ذيله ليعلن عن حٌبه لها, عندما كنا نلج إلي داخل المنزل كان علي الجانب الأيسر غرفتين أو ثلاثة الغرفة الأولي لجدي والباقي لتخزين الغلال والثالثة للنوم وعلي اليمين ذلك الممر يوجد مكان للحيوانات وخاصة الجاموسة التي تعتز بها جدتي كثيراً.

اتذكر في تلك الليالي الكثير من الحكايات التي كان يتداولها خالاتي وجدتي والتي
كنت أحفظها علي ظهر قلب واتذكرها حتي الآن مثل حكاية أحد أجداد والدتي والذي توفي صغيراً نتيجة طلق ناري حيث كان هذا الجد وحيد والده ولديه أطفال وكان يملك حصاناً أبيض اللون يعتز به كثيراً ويخرج به في التجوال حول الأرض التي يمتلكها أو ربما لكي يسير بمحازاة ضفة النيل أثناء فترة الغروب لكي يشاهده هو وصديقه الحصان, لكن في أحد تلك الليالي عاد الحصان يحمل صاحبه وهو هذا الجد مقتولاً بعيار ناري ولم يعرف أحد من الذي فعل ذلك وبقيت النهاية غامضة حتي تلك اللحظة .

كان الشيء اللافت لي أن الجميع يجلس سوياً وجدي هذا دائماً يجلس بمفرده , فجدي هذا كان بالنسبة لي عبارة عن صندوق مغلق غامض من الحكايات والألغاز والأسرار والتي مازلت أجمع عنها الكثير من التفاصيل لكي أفهم أشياء قد رأيتها أو سمعتها من خلال والدتي وخالاتي عن الروايات التي تتناثر هنا وهناك عما شاهده أو صادفه هذا الجد أو مر به في حياته فهو شخصية مختلفة كثيراً عما قابلتهم في حياتي فحياته كانت كلها ترحال وأماكن جديدة كل عام.

توفي جدي هذا تقريباً عام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانون حيث كان عمري في ذلك الوقت لم يتخطي الرابعة عشر حيث رحل في صمت مثل حياته التي كان يعيشها في صمت أيضاً ولكي نعرف الكثير عنه دعونا نعود في آلة الزمان إلي الخلف حيث كان عمري مازال في السابعة عندما كنت أذهب مع والدتي لزيارة جدي وجدتي في تلك القرية والتي كانت ليست قرية بسيطة مكونة من بعض المنازل التي بُنيت من الطوب اللبن مثل الكثير من القري المنتشرة في ربوع مصر كلها, لكنها كانت قرية لها تاريخ ممتد عبر الكثير من العصور حيث شاهدت بعض المنازل المبنية بطريقة تدل أن من كان يسكن فيها في وقت ما له قدر من العلم والوجاهة الإجتماعية في ذلك الوقت.

 وعندما حاولت أن أبحث أو أجد عنها بعض المعلومات وجدت أنها كانت مذكورة في كتاب وصف مصر والذي كان يشرح تقسيم مصر الجغرافي وهذا دليل لي أنها قرية قديمة ولها تاريخ حيث حكي لي أحد الأقارب عن حكاية تبدو لي غريبة بعض الشيء وهي حكاية مسجد قديم يعود تاريخه إلي فترة فتح مصر أو في عهد أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب ولكنه تهدم لربما للإهمال وتم إعادة بنائة أكثر من مّرة في نفس المكان, لكن العجيب في ذلك المسجد أنهم أرادوا أن يقيموا بعض الإصلاحات في المئذنة القديمة والتي كانت تحمل في أعلاها حجر من الصوان مخروطي الشكل وعندما أرادوا أن يعيدوا بناء تلك المئذنة لم يستطع أحد أن يتعامل مع ذلك الحجر الضخم سوي واحد فقط تبرع للصعود ومحاولة تكسير قاعدة تلك الصخرة حتي سقطت من إرتفاع عالي ويذكر لي زوج خالتي أن هذا قد حدث و كان شاهداً علي تلك الواقعة وهو صغير,عندما سقطت تلك الصخرة سببت في حفرة عميقة في الأرض وقد ذكر لي أنه شاهد عظام ضخمة في قلب الأرض لبشر ربما كانوا عمالقة بسبب ضخامة هياكلهم والذي يتخطي الثلاثة أمتار, بالطبع لا أعلم أي مصدر آخر قد أكد لي هذه الرواية فربما تكون صحيحة أو غير ذلك لكنها منحنتي في وقتها الرغبة في رؤية ذلك.

 تلك القرية ممتلئة بالمباني القديمة المشيدة من الطوب الأحمر والحديد, منازل مكونة من عدة طوابق تشعر أن من سكنوها كان لهم جاه ومُلك في الماضي, كذلك القصر المهجور بجوار النيل حيث تسكنه الثعابين فكان ملك لعائلة ثرية إقطاعية في الماضي حتي عندما زرت مقابر القرية وجد بها مدفن عظيم به الكثير من النوافذ الزجاجية الملونة والتي تحطم منها الكثير وعندما قرأت مانُقش علي اللوح الرخامي وجد أن هذا المدفن يعود تاريخه إلي أكثر من مائة وخمسون عاماً تقريباً علي ما أتذكر عام ألف وثمانية وخمسة عشر وهذا لم أشاهده في أي مكان آخر

 لتلك المقابر حكاية أخري ذكرتها لي والدتي أن في تلك المقابر شجرة ضخمة من التوت وأنها كانت تظلل تلك المقابر بفروعها وأرواقها فذكرت لي أن كان لها أحد أبناء الخال يخرج من المدرسة يتجه مباشرةً إلي تلك الشجرة لكي يتناول حبيبات التوت حيث كان يقفز علي تلك المقابر حتي أنه في يوم ما أصابه شيء ما حيث هجر القرية بدون أن يعلم أحد وأخذوا يبحثون عنه في كل مكان حتي عثروا عليه بعد امد طويل في أحد الموالد وهو يمدح مع المادحين ولكن لا يعي ما حوله أو يتذكر أي شيء عن عائلته أو طفولته, أعتقد أن تلك الشجرة مازالت موجودة حتي الآن في تلك المقابر.
تابع الجزء الثاني ....
👈لا تنسي الاشتراك في قناة حواديت مصرية علي التليجرام : https://t.me/hawadedmasiah

Post a Comment

أحدث أقدم