رواية ( بقايا رجل ) .. الفصل الثالث .. الطبيب

بدأ القلق يزداد بداخل عبد الواحد وشعر بذلك أيضاْ من ناحية هنية التي لم تكن تريد أن تخبره بذلك أو تنقل له هذا الإحساس ولكن في واقع الأمر لم يكن يعلم ماذا يفعل عبد الواحد لكي يجد تفسير لذلك فذهب بعد صلاة العشاء ليجلس مع صديقة الشيخ يوسف ليخبره بما يجول في خاطرة من تساؤلات حول عدم الإنجاب مّرة أخري قائلاْ : يا شيخ يوسف لقد تخطي حسين عامة الرابع الأن ولم أنجب من بعدة طفل أخر ولا أعرف ما السبب في ذلك

الشيخ يوسف : وما الداعي للقلق فمازال العمر المديد لك وسوف يرزقك الله الكثير من الصبية فلا تقلق وتصدق وأدعو ربك لعلة يستجيب لك

عبد الواحد : لكني أشعر بالقلق وأشعر أنني لست بحالة جيدة وهذا ما يقلقني يا شيخ يوسف ........ فأنا أشعر بالإرهاق منذ فترة ولا أعلم السبب

الشيخ يوسف : إذا كنت تشعر بالقلق فلتذهب إلي الطبيب المتواجد في  الوحدة الصحية ليفحصك ويخبرك بما هو أفضل لك ولعلة يطمئنك علي حالتك الصحية

 

 

 

بالفعل ذهب عبد الواحد إلي الوحدة الصحية ليفحصه الطبيب حيث طلب منة إجراء بعض التحاليل والأشعة ثم يعود إلية ليعيد فحصة بعد إجراء تلك الفحوصات وعندما عاد إلية عبد الواحد شعر بأن ملامح الطبيب لم يظهر عليها الرضا عندما نظر إلي تلك التحاليل والأشعة حيث تحدث إلية الطبيب قائلاْ : الحالة ليست جيدة يا عبد الواحد فمن الواضح أنك تعاني من إصابة مبكرة بالبلهارسيا مما سببت لك تليف جزء كبير بالكبد وتحتاج الكثير من العلاج للمحاولة في السيطرة علي هذا التليف ولا أخفي عنك سراْ أنك من الصعب أن تستطيع الإنجاب مرة أخري

كان وقع حديث الطبيب شديد ومُفزع لعبد الواحد الذي لم يصدق ما يسمعه من الطبيب فهو يعلم جيداْ ماذا تعني الإصابة بالبلهارسيا والتي هي العدو الأول للفلاح في مصر حيث يموت الكثير منهم في سن مُبكر جراء مُضاعفاتها التي تؤدي إلي الموت أن هذا يعني له أنه لم يتبقى له في تلك الحياة سوي بضعة سنين ربما يعيشها في صراع مع هذا المرض اللعين.

 

 

 

في طريق العودة إلي المنزل كان عبد الواحد شارد الذهن حيث كان يفكر في ما سوف يحدث لحسين وهنية في حالة تدهور حالته الصحية أو في حالة موتة فلم يكن يستطيع أن يفكر بسبب فكرة المشوش  بل أن الحزن كان يسيطر علي كل شيء يدور في ذهنه فأحلامه التي كان يتمناها ربما قد انهارت عندما علم من الطبيب أنه لا أمل له في الإنجاب مرة أخري فلن يستطيع أن يصنع عائلة كبيرة كما كان يريد.

لم يكن يريد عبد الواحد أن يخبر زوجته بما سمعة من الطبيب ولكن زوجته كانت تشعر أنه شارد الذهن حزين ولا يريد أن يتحدث أو يخبرها بما قالة الطبيب ولكن بعد إصرارها في معرفة ماذا حدث في الوحدة الصحية أخبرها بمرضة وعدم قدرته علي

 الإنجاب مرة أخري وأن الأمل شبة معدوم في حالته تلك.

 

 

 

ذلك المنزل الذي كان يحمل بين جنباته السعادة والفرحة أصبح الصمت مثل تلك الأشباح التي أدت لكي تسكنُ جدرانه بدلاْ من تلك السعادة والظلام يحل محل نور القمر الذي كان يضيء باحة ذلك المنزل منذ قدوم حسين إلي تلك الدنيا  فكلاهما في حالة صمت رهيب والحديث بينهما مثل توارد الأفكار فقط ربما لأن القدر كانت كلمته أقوي من كل شيء حيث دمر كل شيء مرتبط بالأمل في حياتهم.

كان يريد عبد الواحد أن يصرخ بأعلى صوته ليصل صوته إلي تلك السماء ليسألها لماذا تفعل ذلك معه لماذا تريد أن تكرر ما فعلة القدر مع والدة من قبل, كان يبكي في صمت ولكن قلبة يحدثه بأن يذهب إلي الشيخ يوسف ليزيح كل تلك الجبال من الحزن والألم التي تراكمت علي صدرة ما بين لحظة وضحاها.

شعر الشيخ يوسف بما ألم بصديقة عندما رأي وجهة العبوس وشعر أن صديقة عبد الواحد أتي إلية وهو يحمل كل الهموم والأحزان ليضعها بين يدية فنظر الشيخ يوسف إلية قائلاْ : ماذا حدث يا عبد الواحد؟

عبد الواحد : أخبرني الطبيب أنني لن أستطيع أن أنجب مرة أخري وأنني في حالة متأخرة بسبب تليف الكبد وربما أتوفي خلال بضعة سنين قادمة

الشيخ يوسف : أعوذ بالله لا تقل ذلك وأستعذ بالله من الشيطان الرجيم فالموت

 حق علينا جميعاْ ولكن كل شيء بيد الله وليس بيد طبيب الوحدة الصحية , فقط اطلب الرحمة و المغفرة من ربك يا عبد الواحد وتفاءل لكي تجده في حياتك يا أخي

 

 

 

صمت عبد الواحد قليلاْ  كأنه لا يجد كلمات لكي يتحدث بها أو أن شفتاه لا تستطيع أن تتحرك من هول الصدمة التي مازال يعيش بين أصدائها ولكنة عندما شعر أن الموت سوف يرفرف بجناحية في أي لحظة فوق منزلة أراد أن يطلب من الشيخ يوسف طلباْ قائلاْ : شيخ يوسف هل لي في معروف منك؟

الشيخ يوسف : بالطبع أطلب ما تشاء فأنا بإذن الله في عونك يا أبو حسين

عبد الواحد : في حالة أنني قد رحلت عن تلك الدنيا لا تترك ولدي حسين وحيداْ بدون سند فأنا أعلم رقة قلبك وقوة حجتك في الحق فكن له الأب والعم من بعدي وهذه أمانة في عنقك إلي يوم الدين حتي نلتقي من جديد في الأخرة

كانت الدموع تترقرق في عيني عبد الواحد وهو يخبر الشيخ يوسف بوصيته تلك حتي أن الشيخ يوسف بدأ في البكاء ثم حضن صديقة بقوة وهو يقول له : بالله عليك لا تقول ذلك فسوف تعيش حتي تري حسين رجلاْ يافعاْ أمام عينيك وأنا بدون أن توصيني بشيء فهو ابني مثل ما هو ابنك ولكن صدقني سوف تتذكر تلك اللحظة وتبتسم عندما أذكرك بها وأنت في عُرس حسين بإذن الله

 

 

 

لم يكن يدرك الشيخ يوسف أن القدر دائماْ يفرض علينا أحكامة التي لا مناص عنها أبداْ وأننا نعيش في تلك الحياة نبحث فقط عن تلك اللحظات اليتيمة من السعادة لكي نتوهم أن لتلك الحياة شق أخر غير الحزن والشقاء ربما نجدة خلال مسيرتنا عبر تلك الحياة فالشيخ يوسف لم يعلم أن القدر لن يمنح عبد الواحد تلك الأمنية التي كان يتمناها لصديقة فأحياناْ الحياة تفعل ما تريد بدون النظر إلي دموعنا وأحزاننا أو حتي يرق قلبها لكل تلك المآسي التي صادفها حسين خلال مسيرة حياته القصيرة في تلك الحياة فالحياة كانت في نظر عبد الواحد مثل تلك الدائرة المُغلقة والتي تعيد نفسها تكراراْ فهي تفعل معه ومع ولدة حسين ما فعلته سابقاْ مع والدة الذي مات وهو صغير أيضاْ.

👈لا تنسي الاشتراك في قناة حواديت مصرية علي التليجرام : https://t.me/hawadedmasiah


Post a Comment

أحدث أقدم