رواية ( بقايا رجل ) .. الفصل السابع ( كابوس هنية )

لم تكن تدري هنية أن حياتها سوف تتحول إلي كابوس بعد موت زوجها عبد الواحد فلم يكن لها أحد ليحميها من سالم سوي الشيخ يوسف الذي كان يحاول جاهداْ أن يقف أمام طغيان سالم لكن بدون فائدة فكان سالم يأتي إلي منزل أخيه ليقضي شهوته وتلذذه بمشاهدة هنية في كل مّرة وهي تبكي بين أحضانه وتصرخ في صمت حتي لا يشعر حسين بما يحدث داخل تلك الغرفة,  ففي كل مّرة كانت بمثابة اغتصاب حقيقي تحت رعاية كبار القرية الذين سمحوا بحدوث هذا لهنية.

كانت هنية تشعر بالرعب كلما دق باب منزلها خوفاْ من أن يكون القادم هو سالم فكانت تشعر أن سالم قادم لينتقم منها ربما لسبب ما هي لا تعلم ما هو فكان يأتي إليها لكي يدفعها نحو تلك الغرفة وهي تتوسل إليه أن يتركها وشأنها ولكن فكرة أن يأخذ تلك الحقوق بطريقة عنيفة هي التي كانت تسيطر عليه فكان العذاب نفسه هو الذي كانت تعاني منه هنية داخل تلك الغرفة حيث كان يسمع حسين توسلات وصراخات والدته المكتومة داخل تلك الغرفة ولم يكن يفهم ماذا يحدث داخل تلك الغرفة لكن قلبه يشعر بالخوف والرعب علي والدته التي تصرخ بالداخل.

كان حسين ينتظر خلف باب غرفته وقلبه ينبض بقوة وعنف يخشي أن يسمعه عمه سالم وهو خارج من غرفة هنية, كان حسين يتلصص النظر من فتحة صغيرة منتظراْ خروج عمه سالم وهو يرتدي ملابسه تاركاْ القليل من المال خلفه لا تكفي مصاريف حسين أو والدته بالرغم أن من المفترض أن عبد الواحد ترك من خلفه أرض تمنحهم المزيد من المال حتي لا يتسولوا تلك الأموال القليلة من سالم.

 

 

 

بعد خروج سالم كان يجري حسين نحو غرفة والدته يجدها تجلس بجوار المخدع وهي تبكي بشدة وتدعو الله أن ينقذها من هذا الوحش فكان حسين يجلس بجوارها ويحاول أن يحضنها وقلبه ينبض بقوة من كثرة الفزع الذي يواجه في كل مرة يأتي عمه  سالم إلي منزلهم فالرعب أصبح يسكن طفولته البريئة فأصبحت ملامح حسين مثل الرجل العجوز تزداد تجاعيدها مع كل زيارة من سالم إلي منزلهم.

كان حسين يجري نحو الشيخ يوسف لكي يشعر بالحنان والمشاعر التي افتقدها حسين من بعد موت أبيه فكان الشيخ يوسف يتذكر دائماْ وصية عبد الواحد له ولم يكن يستطيع الشيخ يوسف أن يفعل شيء سوي أن يشمل حسين برعايته ربما لأن الله لم يرزقه بالأولاد فكان يؤمن أن تلك هي مشيئة الله وأن زوجته التي هي بنت عمه في نفس الوقت وحبيبته منذ الصغر وأفضال عمه الذي يدين له بالفضل لا تسمح له بالتفكير في الزواج من امرأة أخري.

كان الشيخ يوسف مؤمن بأن كل شيء مُقدر وربما يمنحه الله السعادة من باب أخر مثل هذا الولد اليتيم حسين الذي كان يمنحه إحساس ومشاعر الأبوية التي يفتقدها, فالشيخ يوسف كان يحث زوجته دائماْ بزيارة هنية لتدفعها نحو التمسك بالأمل وعدم اليأس ففرج الله كبير.

 

 

 

كان الشيخ يوسف يستذكر مع حسين كل يوم دروسه ليجعله متفوقاْ كذلك كان الشيخ كثير التردد علي مدرسة القرية ليتواصل مع كل من له علاقة بحسين حتي يساعدوا حسين في تكملة مشواره التعليمي رغم كل تلك الظروف المعاكسة له.

بالطبع ما كان يتركه سالم لهنية من نقود لا تكفي لشيء من متطلبات المنزل ولم تكن تعرف ماذا تفعل ولكن كانت زوجة الشيخ يوسف تذهب لزيارتها وتحثها علي أن تعتمد قليلاْ علي نفسها في تربية بعض الطيور داخل المنزل لكي تقوم ببيعها بعد ذلك لكي تُعينها علي الوفاء ببعض التزاماتها بالنسبة لحسين.

كانت الشهور تمر علي هنية وهي تحاول جاهدة أن تتخطي ما يفعله سالم معها وعدم اهتمامه بحسين ومحاولاته في إيجاد وسيلة أخري تُساعدها في الإنفاق علي حسين فالعام الأول علي زواج سالم منها قد مر بكل ما به من إهانة وعذاب ولكن لم يمر بسلام علي هنية فبدأت هنية بالشحوب وفقدان وزنها حتي أنها بعد ثلاثة سنوات أصبحت مثل الشبح أو مجرد هيكل عظمي متحرك حتي أن سالم بدأ ينفر منها ويبتعد عنها فكان دائماْ يقول لها :

ما هذا !! .. أشعر أنني أعاشر امرأة قد ماتت منذ زمن لقد سئمت منكي حتي أنني كرهت أن أنظر إلي وجهك هذا القبيح أو يتلامس جسدي بجسدك الذي لا أجد سواء عظامك تؤلمني في كل مّرة

 

 

 

هنية لم تكن ترغب في تواجده في المنزل ولكن عندما فقد حماسة لها بدأ يبتعد عنها وعن حسين حتي تلك الأموال البسيطة التي كان يتركها لها لم تعد موجودة فأحياناْ كثيرة تمر عليها أيام لا تجد الذات وتترك ما هو موجود في المنزل من طعام من أجل حسين حتي لا يشعر بالجوع عندما يعود من المدرسة.

كان الشيخ يوسف وزوجته يحاولا بقدر الإمكان مساعدة هنية بطريقة لا تجرح كرامتها فكان حسين يقضي الكثير من الوقت بمنزلهما يحاولان أن يمنحوه قدراْ من طفولته التي كادت أن ترحل بدون أن يشعر بها.

السنين كانت تمر علي هنية حيث بدأت تشعر بالتعب الشديد والإرهاق حتي أن من كان يراها يشعر أنها مثل المرأة العجوز رغم أن عُمرها لم يتخطى الثلاثين بعد ولكن قسوة الحياة لم تمنحها تلك الفرصة لتشعر بالسعادة مع حسين فبدأت علامات الموت تظهر عليها وبدا أن ظلال الموت قادمة مّرة أُخري لكي تعشش داخل هذا المنزل في انتظار ملك الموت القادم من أجلها تلك المّرة.

فبعد ثلاث سنوات بقليل رحلت هنية بعد عبد الواحد وقد تركت حسين يتيم الأب والأم, فقط وحيداْ في تلك الحياة فلم يكن قد تخطي العاشرة من عمره إلا بقليل ولم يكن يدرك أنه سوف يواجه الحياة في تلك المّرة بدون أمه أيضاْ فعبد الواحد وهنية قد رحلا وأصبح ليس لهم وجود في ذلك المنزل الصغير فما شاهده في ذلك اليوم القليل من النسوة يرتشحاْ الثياب السوداء  وهنية ليست في المنزل وزوجة الشيخ يوسف تحتضنه بقوة وتبكي بشدة فهو يشعر بالخوف كلما تلامست قطرات بكائها بوجهه ويكاد يشعر بهول ما حدث.

 

 

 

فعمه سالم في الخارج وبعض الرجال يجلسون أمام المنزل ومعهم الشيخ يوسف ولكن كان يتساءل أين هي أمه !!!!!! وأين ذهبت بدونه !!!!!

في نهاية اليوم أدرك حسين بما حدث عندما وجد سعاد زوجة عمه سالم تنظر إليه نظرة بُغض وهي تجمع ثيابه لكي تحملها معها إلي منزل عمه سالم حيث أخبرته بأنه سوف يعيش هناك في منزل عمه سالم وأولاد عمه.

قبل رحيل حسين من منزله بعد وفاة أمه ذهب نحو تلك الجدران التي كان قد زينها عبد الواحد وأخذ حسين يلتمسها بأنامله الصغيرة ويتذكر والده وهو يرسم له وردة في كل مّرة ينمو ويكبر فيها, يتذكر ابتسامات عبد الواحد وحسين جالس بجواره يلهو ويلعب بجوار هذا الحائط المُزين بكل تلك الورود من أجله هو, كان يودعها حسين كما كان يودع كل شيء في هذا المنزل, كان يتلفت حول نفسه في باحة المنزل ليتذكر ويغمض عينيه لكي يحتفظ بكل تلك الذكريات التي ربما لن يعود إليها مّرة أخري.


Post a Comment

أحدث أقدم