أرسلت لي سيدة تروي لي حكايتها ألمت بها من جزعاً وخوف, تبحث عن حل لدي يخرجها من تلك المتاهة والبوتقة المظلمة ما بين عالم المنطق وعالم المشاعر علي حين غُرة, والتي أحياناً تسيطر علينا ونعجز أن نجد الحقيقة بين كل تلك الأمواج الهادرة الهوجاء والصاخبة بين الفينة والأخرى والتي تقذف بنا ما بين ظُلمة إلي ظُلمة أخري لا نري فيها شمس الحقيقة .
حكاية اليوم مثل الكثير من الحكايات التي تضطرم بداخلنا
بكل صورها وتجلياتها الممجوجة , بينهما عامل مشترك يدمر كل شيء بداخلنا ويمزق
أوصال أحوالنا دلالة تيهاننا الأبدي داخل أغوار أنفسنا بدون أن نشعر, لأننا في حقيقة الأمر في خضم ذلك الأمر
نقذف بأنفسنا في عوالم افتراضية مزدحمة بشياطين الإنس التي تدفعنا إلي التُهلكة
باسم الحب والمشاعر الأخاذة وأننا أمامنا حياة ستنبت مروج خضراء يافعة.
تروي لي تلك السيدة أن أختها الكبرى كانت متزوجة من رجل
ولديها ثلاثة أطفال ولكن أصابتهم فجيعة الموت فيها وقد غادرت تلك الأخت بدون عودة
أثناء ولادة الطفل الأخير , الجميع كانوا في حيرة من المر برمته , كيف يستطيع زوج
أختها أن يتكفل برعاية ثلاثة أطفال أصغرهم لم يتعدى عُمره بضعة أيام , أهل الزوجة
المتوفية كانوا يخشون أن يجلب هذا الرجل امرأة أخري جديدة كزوجة له ربما تقوم
بمعاملة هؤلاء الأطفال بقسوة وجحود تجعل
الدمع يسكن مقلتيهم طوال الوقت.
تكمل السيدة حديثها قائلة , آنذاك كان لدي من العُمر
حوالي سبعة عشر عاماً حينما أصر الجميع أن اضحي من أجل أطفال اختي المتوفية واتزوج
زوجها الذي كان يكبرني بحوالي ثمانية عشر عاماً لكي أقوم برعاية أطفال أختي
المتوفية لأنني بلا أدني شك سوف أكون أماً صالحة لهم لأنني في واقع الأمر خالتهم .
كنت مبعثرة الذهن
لم أكن ادرك عواقب ذلك الأمر ولم تواتيني الجرأة ان أفهم كيف اتزوج من رجل يكبرني
بكل هذا العُمر لأنني كنت في واقع الأمر حزينة علي وفاة أختي ولم يستطب الأمر لي
بعد, كنت مثل طفلة غرة وحٌرة وساذجة وفطنة ظننت أن زوج أختي سوف يقدر تضحياتي تلك ولم
أعلم أنني قد اقترفت بحق نفسي كل هذا الإثم .
بكل هذا الارتياع صارت الأمور مثلما تأتي الرياح بما لا
تشتهيه السفن حيث لم تروق لي الفكرة, لم أكن أعلم أنني قد تزوجت شيطان في هيئة بشر
حيث صبغت نظرته القاسية لي بطابع حائر مجنون , يشعرني طوال الوقت أنني مجرد خادمة
له ولأطفاله ولست زوجة له في المقام الأول وقد غضضت الطرف عن كل ذلك, كان يتفاخر
أمامي بعلاقاته النسائية المتعددة والخطيئة دون أن اتفوه بكلمة , لم يكن يكتفي
بهذا القدر من المهانة والمذلة لي , بل كان يعتدي علي بالسباب والضرب والإهانة
اليومية وعينيه تقدحان بالشرر .
كنت أذرف دموعاً حارة مٌلتهبة , صارت كل لحظة لي في هذا المنزل
مجرد ومضات من الأشياء التي اذكرها والتي لا اذكرها انقضت علي جمجمتي بأجنحتها السوداء
ومخالبها الحادة وارتفعت حتي لا مست السماء ثم عادت وانقضت من جديد , لحظات قصيرة محتشدة
بالانفعالات والاسئلة والأخيلة تشعرني أنني اسكن الجحيم ذاته , كل هذا الحزن اللاذع
العميق يجعلني طوال الليل أبكي وأتمني من الله أن ينتقم لي من هذا الوغد .
الأعوام تمضي وأنا حزينة في صمت وأهلي حديثهم الدائم حول
أطفال أختك المتوفية وأنا في قرارة نفسي لا أجد من يتعاطف معي ويقوم بردعه من أجل
دموعي التي تنز بسكون من عيني مثخنة بالجروح والتي كانت تسبقني متي خليت بنفسي بكل
هذا الارتياع في بوتقة مظلمة حالكة , الآن صار لي ثلاثة عشر عاماً في هذا الجحيم
حتي شارفت علي الثلاثين من عُمري ,الحمد لله لم انجب منه أطفال حتي لا تزيد قيودي
قيداً جديد .
أشعر أنني اكملت رسالتي تجاه أطفال أختي حتي صار ذلك
الرضيع طالباً في المرحلة الإعدادية , لم أعد استطيع أن اتحمل هذا الوغد وأفعاله ولقد
استطاب لنفسي ملياً بأنني يجب علي الآن اتخاذ قرار مصيري في حياتي وهو الانفصال عن
هذا الشيطان الوغد لكي اشرع في حياة جديدة مع رجل آخر يكن لي مشاعر الحب والحنان
والأمان ويكون لي أطفال أسعد بهم في منزل هادئ تحفه السعادة والأفراح في كل لحظة .
طلبت الطلاق منه بهدوء بينما كان ثائراً غاضباً يحطم كل
شيء من حولي , يتوعدني بأن مصيري إلي جحيم البؤس والشقاء وغضب الرب علي , أنه لن
يطلقني أبداً , عُد إلي منزل أهلي وأنا حازمة أمري برغم معارضة أهلي الشديدة
لقراري هذا المزعج لهم , بل دهشتهم حينما راقت
لي فكرة التصميم علي ذلك الأمر بالرغم أنني لا املك المال لأقيم دعوة خُلع له ,
مضي الآن حوالي تسعة أشهر وهو يتوعدني وأنه لن يقوم بطلاقي وعلي العودة إلي المنزل
منكسرة حزينة اطلب صك الغفران والسماح منه , الجميع ضدي يحاولون التأثير علي قراري
هذا للعودة من أجل أطفال أختي المتوفية ماعدا شخص واحد هو من منحني القوة والصلابة
والعزيمة في تحدي الجميع في طلب الطلاق من هذا الوغد .
ذلك الشخص قد تعرفت عليه من خلال الفيس بوك وقد اظهر لي
مشاعره نحوي وأنه يرغب في الزواج مني ولقد شجعني دوماً علي طلب الطلاق والعودة إلي
منزل أهلي , هذا الشاب بالفعل يؤكد لي كل يوم رغبته الحثيثة في الارتباط بي ولقد
صارح أهله بنيته في الزواج مني وهم لا يمانعون ذلك الأمر, بل لمست منهم التشجيع
علي طلب الطلاق ومباركة الزواج من ابنهم هذا , زوجي لا يرغب في طلاقي مما دفع هذا
الشاب بأن أقوم برفع قضية خلع وأقوم بالسفر إليه في إحدى الدول العربية بدون علم
أهلي لكي امكث معه حتي تنتهي قضية الخلع بطلاقي ثم يقوم بالزواج مني وتوثيق عقد
الزواج في السفارة المصرية , هذا الشاب يصر ويلح كثيراً لكي أقوم بالسفر إليه ولكن
أخشي علي أهلي حينما يعلموا أنني سببت لهم العار والخزي حينما أفعل ذلك بدون
موافقتهم أو علمهم بذلك وأشعر بالحيرة واتوجه إليك قائلة ... ماذا تفعل لو كنت
مكاني ؟ !! .
سيدتي في البداية قد تعاطفت كثيراً مع مشاعرك وانك
بالفعل قد اديتي دوراً جليل في تنشئة أطفال أختك لمدة ثلاثة عشر عام مع زوج لا
يستحق منا أي تبرير لما يقوم بفعله معك منذ البداية ولك كل الحق في إعادة التفكير
في حياتك بالطريقة التي تناسبك لأن بكل بساطة أبواب الحياة مُشرعة أمامك لبداية
جديدة مع شخص يقدرك ويمنحك من مشاعر الحب والألفة التي تستحقيها , لكن هنالك شيء قد
استرعي انتباهي ,أظن أنه الدافع الرئيسي لكل تلك التغيرات التي اقتحمت حياتك سواء
كانت مليئة بالحزن والبكاء أو الحيرة لمدة طويلة تصل إلي ثلاثة عشر عام حيث لم يستقر
بك المقام في طلب الطلاق من ذي قبل .
ذلك الدافع هو هذا الشاب الذي دفعك بقوة لفعل ذلك الأمر
الجلل وحديثه عن الزواج منك وأن الأهل قد باركا تلك الزيجة , لكن عذراً سيدتي فلست
مقتنع بذلك الأمر وخاصةً حديث السفر إليه والإقامة معه بدون علاقة شرعية تجمعكم سوياً
حتي تنتهي إجراءات الطلاق , الشكوك تحلق في غياهب عقلي تهمس لي في غياهب عقلي بأن جُل
هذا الأمر مجرد خدعة من قبل هذا الشاب ينسج بها خيوط شبكته حولك , الأمر مجرد حيلة
قديمة لا أكثر يقوم بها القوادين في البلاد العربية لجلب النساء اللاتي يقعن فريسة
تحت أيديهم بسبب العديد من الظروف بكل أشكالها والتي تجعلهم في مهب الريح يتساقطن
الواحدة تلو الأخرى في بئر الخطيئة , هناك لا مفر من الأمر المتوقع حدوثه في بلاد
الغربة , العمل في البغاء وشبكات تجارة البشرالدولية والنهاية المأساوية المتوقعة في
كل الحالات .
الرجل الصادق في مشاعره لا يقبل أن يعاشر امرأة خارج
المؤسسة الزوجية مع وعد بالزواج , لكن هذا الرجل يلح ويدفعك لسفر إليه بطريقة تثير
الريبة والشك لينتهي بك الأمر في نهاية المطاف في أحد الغرفات في فندق رخيص من أجل
راغبي المتعة الحرام وأنت عاجزة عن الدفاع عن شرفك , عليك بالبقاء في مصر ولك كل
الحق في مواصلة إجراءات الخلع وإقناع أهلك بحقيقة الأمر وإن كان بالفعل يرغب هذا
الشاب بالارتباط بك عليه التقدم بشكل رسمي بعد اتمام العدة وأن اتوقع أنه لن يفعل
هذا الأمر وأن ظنوني تجاهه صحيحة فهو ليس إلا قواد يجذب الفتيات للسفر إليه خارج
مصر .
سيدتي نصيحتي هيا بناء الذات والبحث عن كيفية
الاستقلالية والاعتماد علي الذات , المرأة لا يجب أن تكون ضعيفة وفي مهب الريح
تنتظر رجل يقوم بإنقاذها ويقوم بانتشالها من عجزها وضعفها ليستغلها أسوء استغلال
مثلما فعل زوج أختك وما سوف يفعله هذا الشاب , اعتمدي علي نفسك وبادري بتطوير
شخصيتك , ابحثي في أغوارك عن قوتك الحقيقية واعلمي جيداً ماذا تريدين من تلك
الحياة .. هل الفشل أم النجاح ؟ !! .. عليك بالتعلم وإدراك متطلبات سوق العمل الآن
وخوضي التجربة بكل ثقة في النجاح , كوني امرأة قوية مستقلة في كل شيء , في قرارك ,
في العمل والإنفاق علي نفسك , في اختيار الشخص المناسب لك وبناء فرصة أمل جديدة لك
, لا أحب المرأة الضعيفة التي تكون فريسة سهلة لكثير من الأوغاد المنتشرين حولنا
في كل مكان , بيدك تقررين مصيرك .. ربما نفشل في البداية لكن النجاح في انتظارنا
في نهاية الطريق.
👈لا تنسي الاشتراك في قناة حواديت مصرية علي التليجرام : https://t.me/hawadedmasiah
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
للتواصل مع الكاتب من خلال الإيميل : mohammed.abdeltawab2000@gmail.com
إرسال تعليق