في رسالته لي ذكر هذا الزوج أن لديه مشكلة قد ألمت به , تؤرقه كثيراً , يشعر بالجزع والخوف تضطرم بداخله وأنه حائر ما بين انفعالاته ونخوته كرجل وبين حديث العقل الذي ينصحه بالتريث والتفكير فيما يقوم به , البعض ينصحه بالطلاق والكرامة أولاً كأنها أمواج هادرة تصفع الصخور وتنثر رذاذاً, البعض ينصحه بالتمهل وعدم التسرع وهو حائر ما بين هذا وما بين ذاك .
هذا الرجل متزوج ولديه زوجة وأطفال وكان حتي وقت قريب كل
الأمور تسير علي ما يرام وليس هنالك شيء يعكر صفو علاقته بزوجته وأطفاله ,لكن حدث
شيء مفاجأ له حيث استرعي انتباهه , كان في واقع الأمر صدمة له ولم يتخيل أن زوجته
تفعل ذلك الأمر , رغم كل تلك الأعوام التي مضت علي زواجهما وأطفالهم هؤلاء الذين
صاروا مثل الرباط المقدس بينهما , الصدفة كانت ذلك الباب الذي شرع أمامه كل تلك
الظنون والكوابيس تجاه زوجته وجعلته مثخناً بالجراح حينما تفحص جوالها وقد استرعي
انتباهه موقع الدردشة الخاص بها حينما صُعق من هول ما وجده علي جوال زوجته .
لم يكن يصدق ما يقرأه حينما تفحص تلك المحادثات التي
اجرتها زوجته مع شاب طوال تلك الفترة الماضية وهو لم يكن يعلم بكل تلك الأمور ,
كان قلبه ينبض وأوردته تردد صدي دبيبه بكل هذا الارتياع وهو يتتبع الحديث والحوار
بينهما , يرتجف حيث بدأت اطرافه تنتفض , يخشي أن يجد عبارات الخيانة واضحة أمام
عينيه تنشج نشيجاً خافتاً , تزيد من غضبه وهمومه وهو في بوتقة مُظلمة في حياته لا
يصدق أنه يغرق بداخلها , كيف يواجه هذا الأمر , الحديث بينهما لا ينم عن علاقة يستطيع
أن يجزم بها أن هنالك شيء ما بينهما ,الشاب يتحدث معها يروي لها تفاصيل حياته بدون
أن يتخطى حدود الأدب معها, الزوجة تروي القليل من تفاصيل حياتها لا أكثر من ذلك .
لكن كيف تروي هذا مع رجل غريب عنها ؟!! .. ولماذا فعلت
ذلك ؟!! .. ولماذا سمحت بذلك وهي تعلم جيداً أن هذا التصرف يثير الشبهات حولها ؟!!
.. الأفكار تتكاثر في مخيلته مثل الأمواج الهوجاء , تمنحه الكثير من الزخم
والظُلمة التي تدفعه بكل قوة نحو اليقين بسوء سلوك زوجته , جلس بجوار مخدعها
يتأملها وهي نائمة في هدوء , كل الأشياء التي تذكرها والتي لا يتذكرها انقضت علي جمجمته
بأجنحتها السوداء ومخالبها الحادة ,ارتفعت حتي لا مست السماء ثم عادت وانقضت من جديد
, يفكر ملياً ماذا يفعل والشيطان يوسوس له بأن عليه أن يطلقها فهي لا تصلح أن تكون
زوجه صالحة له ولأطفاله , هي لم تحافظ علي شرفه وكرامته وقد اقترفت هذا الفعل
الشنيع حينما سمحت لنفسها بالحديث مع هذا الشاب رغم أنها امرأة متزوجة , الشيطان
يهمس في أذنه وسط الظلام الذي يحيط به تاركاً بعض الضوء الخافض المُلقي وجه زوجته
التي لا تعلم أن زوجها علم بأمر هذا الشاب , الشيطان يدق بعنف داخل جنبات غياهب عقله
ساخراً من فكرة الطلاق تلك التي تنم علي قلة حيلته وهوان أمره , لابد أن يقتلها
علي جرمها هذا , الأمر كله برمته خيانة عظمي له لا يمحيها إلا الدم .
انتفض واقفاً يشعر أن الدنيا كلها تترنح به وهو يكاد
يلتقط أنفاسه اللاهثة المتسارعة بصعوبة مغادراً الغرفة بكل هذا الحزن اللاذع العميق
, يبحث عن بعض الهواء مُبتعداً عن وساوس شيطانه الذي يركض ليتبعه في كل مكان ,
يبسط أجنحته السوداء حوله ليزيد الظُلمة في نفسه, يشعر أن قلبه يكاد يختنق وجسده
قد صار جزءاً من الجحيم , لحظة قصيرة محتشدة بالانفعالات والاسئلة والأخيلة , مبعثر
الذهن حيث لم يكن يفكر في شيء سوي في أطفاله ومصيرهم المجهول لو فعل ما يرغب به
شيطانه اللئيم, كل شيء سوف يصير في مهب الريح , زوجته في الجحيم وهو مُلقي وحيداُ خلف
القضبان والأطفال ينتظرهم الذئاب في ظلمة الطرقات والحياة القاسية بين تلك الحيوانات
البشرية في الشوارع .
شعرت الزوجة بأن زوجها ليس بجوارها في الفراش , شعرت
بالقلق حيال ذلك الأمر , نهضت من الفراش بتثاقل تبحث عنه فوجدته مُلقي علي أحد
الكراسي يحمل رأسه بين يديه مهموم ويبدو عليه الحزن , اقتربت منه تتساءل عما يحدث
, نظر إليها وعينيه تحمل الكثير من علامات التعجب والتساؤل حيث اشار إليها بصوت متهدج
ومشحون بالحزن حول حقيقة الأمر بالنسبة لتلك المحادثات التي تحتفظ بها علي هاتفها
, تطلعت إليها الزوجة فادركت أن الزوج قد علم بأمر تلك الأحاديث التي بينها وبين
هذا الشاب , أبلغته بكل ثقة أنها لم تفعل شيء خارج حدود الصداقة بينهما وأنها لم
تفعل شيء تندم عليه , هكذا صارت الأمور بينهما حتي ظن أن كل هذا مجرد كوابيس
اليقظة وأرسل لي يسألني .. ماذا تفعل لو كنت مكاني ؟!!
في واقع الأمر يا سيدي الأمر برمتها يحتاج إلي التروي والتريث
والميل كل الميل نحو تدارك الأخطاء والتجاوب مع ذلك الأمر بكل روية وحكمة ومراجعة
كل جوانب الأمور بينكما وفهم جميع الأسباب التي دفعتها لحديثها مع هذا الشاب ,
علينا البُعد كل البُعد عن عواطفنا التي تدفعنا بقوة نحو الهاوية والمصير المشؤوم
لكل من ينتمي إلي تلك الأسرة , من السهل أن تطلقها وأن تعلم أهلها بما حدث ويعلم
الجميع لكن تذكر أنها زوجتك وأم أطفالك وان ما تفعله برعونة سوف يلقي بظلاله
السوداء علي مستقبل أطفالك وتشعر حينها بالندم علي فعل ذلك .
في مجتمعاتنا الشرقية الرجل يمنح لنفسه الحق في فعل
أشياء ويحرمها علي المرأة لأنها امرأة أو لأنها تنتمي له لا أكثر من ذلك , الرجل
يغضب بشدة حتي ولو القي زميل لها في العمل التحية العابرة , لكنه يرحب بشدة في
الخوض في علاقات غير سوية مع نساء متزوجات , الرجل الشرقي لديه ازدواجية في
التعامل مع المرأة عامة متناسياً أن تلك المرأة زوجة لرجل آخر ولديها أطفال ويمكن
أن يسبب بأفعاله الشيطانية تلك بتدمير أسرة بكاملها بسبب نزواته ومنحة المزيد من
الرضا علي ذكورته.
لديك زوجة تشعر أنها لم تخطيء وأنها لم تتعدي حدود
الصداقة مع هذا الشاب والدليل علي ذلك أنها لم تمحي تلك المحادثات وتركتها كما هي
كدليل أنها لم تخطيء أو أنها تحمل وزر الخيانة لك , والأسباب في ذلك كثيرة , ربما
تكون لديها شخصية قوية وأفكار تؤمن بها قد استوحتها مما يدور حولها في غفلة من الزوج
عن زوجته من مواقع تواصل وإعلام يبث علي مدار الساعة المبررات الخبيثة للمرأة أن
تفعل ذلك وأن الصداقة بين الرجل والمرأة شيء طبيعي وأنه من علامات التحضر والرقي
وعلي الرجل أن يتقبل ذلك الأمر بكل بساطه , اتذكر مقدم البرامج العالمي ستيف في
برنامجه ( اسأل ستيف ) حينما تم سؤاله هل هنالك نوع من العلاقات بين الرجل والمرأة
يدعي الصداقة ؟!!
أجابهم ستيف بالطبع لا لأن بداخل كل رجل ذئب ينتظر
الفريسة أن تضعف وتثق به وتكون سهلة المنال لأن في واقع الأمر الكثير من تلك
العلاقات ينتظر فيها الرجل أن تحدث حالة من الحب أو الوقوع في الخطيئة بغض النظر
عن النتائج المترتبة علي ذلك , زوجتك تظن أن هذا الأمر لا غبار عليه وربما عليك
تقبل ذلك الأمر بصدر رحب وأن عليك الثقة بها ثقة عمياء , وهنا تكمن المشكلة في
الأفكار التي يؤمن بها كل طرف .
للأسف العديد من الرجال لا يستطيعون أن يستوعبوا فكرة
التعامل مع المرأة بطرقة صحيحة علي حسب كل مرحلة من مراحل حياتها التي تمر بها وأن
المرأة في واقع الأمر ماهي إلا كتلة من المشاعر المتوهجة بسبب طبيعتها النفسية
والبيولوجية, المرأة عندما يتخطى عُمرها العقد الثالث ترغب أن يقو الرجل بمنحها
الكثير من المشاعر المتوهجة والحب الدافئ وعلاقات حميمية حنونة دافئة يهتم وينصت
بحرص بما ترغب فيه بكل حب, المرأة لا ترغب في رجل أناني يبحث عن ملذاته لا أكثر من
ذلك , إنها تبحث عن رجل ينصت إليها بكل اهتمام لكل ما تبوح به او ترغب فيه , يهتم
بكل تفاصيلها الصغيرة ,رجل يجعلها ملكته المتوجة في كل لحظة , يشعرها أن أبواب
السعادة التي يتمني أن تشرع له لا يملكها أحد سوي زوجته فقط .
سيدي الكريم عليك أن تتناقش مع زوجتك بكل هدوء وانصت لها
وتفهم لماذا فعلت ذلك ربما أنت تفعل مثل ذلك الشاب مع نساء متزوجات وارادت أن تمنحك
القليل من النيران التي تلتهم كل شيء جميل بينكما بسبب ما تفعله , ربما لأنك لا
تهتم بها وأن هنالك أسوار من الثلج الشاهقة بينكما تزيد من برودة المشاعر بينكما ,
لعلها تخشي أن تقترب منك , تهمس لك بما ترغب حتي لا توبخها مما ترغب فيه فلجأت
لغيرك تبوح له بما لم تتقبله أنت , عليك تفهم الأمر بينكما ربما كلاكما خاطئ في حق
الآخر وعليكما تصحيح الخطأ , انصت إليها ودعها تنصت إليك في هدوء .
اتفق معها علي بداية جديدة بينكما من أجل أطفالكم ,
تساعدا في بناية جسر الثقة بينكما من جديد , لا تهدم ما تبقي من ذلك الجسر , لا
تفعل ما يحزننها أو يدمر مشاعر الود بينكما وهي أيضاً عليها أن تفعل مثلما تفعل
أنت, اطلب منها بكل هدوء أن تغلق أبواب الشر المُشرعة في كل مواقع التواصل
الاجتماعي من أجل تطهير النفس من الخطايا السابقة , تحاور معها بهدوء بأنها صاحبة
القرار في ذلك ولها الخيار حتي تستمر الحياة بينكما لأن ما حدث ليس بسهولة نسيانه
حتي ولو كانت النية بريئة في ذلك الأمر .
لو قررت أن تتخذ القرار الصواب في ذلك الأمر انتظر لفترة كافية من الوقت ثم اقم أنت لها حساب جديد علي مواقع التواصل تملك كلمة السر له بدون أن تدري هي بذلك حتي تتابع كل شيء في الخفاء ويطمئن قلبك وتهدئ الوساوس التي تملأ عقلك ناحية زوجتك وحتي تستعيد ثقتك بها , أعلم أن هذا الأمر صعب نسيانه علي الرجل ولكن نحن نفعل ذلك من أجل أطفالنا ولكي نتعلم من أخطائنا فزوجتك في نهاية الأمر بشر وكلنا نخطئ وكما قال سيدنا عيسي من منك بلا خطيئة فليرمها بحجر , عليك مساعدة زوجتك بأن تقنعها بهدوء أن تلك الأفكار تدمر كل شيء جميل في حياتكم وعليك الاهتمام بها كثيراً وأيضاً منحها المزيد من المشاعر المتدفقة ومحاولة استعادة اللحظات الجميلة بينكما من خلال الهدايا الرقيقة والخروج سوياً بمفردكما ومنحها السعادة من فعل ما تحبه وتجعلها تشعر أنك تاجر السعادة بالنسبة لها , انصت إليها واستمع إليها بكل شغف , اهتم بكل حكايتها بكل تفاصيلها , شاركها اهتماماتها وكن أنت في قلب الحدث وامنحها المزيد من الحرية بأن تبوح لك بما يدور في ذهنها , كن لها قدوة صالحة حتي تقتدي بك , تقربا من الله سوياً وتشاركا الصلاة والحديث المبارك الذي يجمع حولكما الملائكة , الشيطان لا يسكن بيوت أهلها يبحثون عن طريق محبة الله والهداية والمبتغى العظيم وهو الجنة .. سيدي من يتقي الله يجعل له مخرجاً , من الجيد أن نتفهم الأمر وأظن أنها رسالة من الله إليك وعليك فعل الصواب والله الموفق .
إرسال تعليق