رواية ( بقايا رجل ) .. الفصل الثاني

منذ أن علم عبد الواحد بحمل زوجته كان ينتظر وقت الولادة بفارغ الصبر كان يحلم وهو يجلس بحوار تلك الشجرة شجرة الصفصاف التي تقع بجوار تلك الأرض التي يزرعها بأن ولدة القادم سوف يشاركه الجلوس تحت ظل تلك الشجرة حيث ينتظر زوجته بعد صلاة الظهر قادمة لهم تحمل الغذاء لهم لكي يستمتعوا بتلك الجلسة في ظل تلك الشجرة حيث يشعر أنه الأن أصبح له عائلة وولد يحكي له ويتمني له كل الخير والسعادة لمستقبله, كان يتخيل يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة حيث يستعد كلاهما أمام المرآة لصلاة الجمعة بارتداء الجلاليب البيضاء والطواقي البيضاء أيضاْ فينظر عبد الواحد إلي ابنه الذي يبتسم إلية ليشعره أنه فلذة كبدة التي كان ينتظرها منذ زمن بعيد فتتعانق يده الصغيرة مع يد عبد الواحد وهم يسيران بجوار بعضهما في شوارع القرية متجهين نحو الجامع لصلاة الجمعة سوياْ.

 

 

 

كان عبد الواحد يشعر أن ولدة القادم سوف يكون صديقة وأخية بدلاْ من سالم الذي لم يشعر ناحيته بأي مشاعر أخوية بل كان فقط يحمل لقب الأخوية  أو ربما لأنه شريكة في اللقب فقط, كان يشعر عبد الواحد أن إحساس الوحدة والغُربة الذي يحيا بداخلة منذ أمد بعيد قد حان الوقت لكي يرحل من بين ضلوعه بدون عودة فالحياة سوف تبدأ مع أول صرخة لهذا الجنين الذي ينمو بداخل أحشاء زوجته.

كان عبد الواحد يسابق الزمن لكي يجهز كل شيء قبل قدوم هذا الطفل فكان يجتهد في زراعة الأرض لكي يجني محصول جيد يستطيع من خلاله أن يجلب الكثير من الأشياء التي تنقص المنزل مثل الموقد الذي يعمل بالجاز وصندوق ملابس جديد لكي يضع بداخلة ملابس ابنه القادم, كان عبد الواحد يرسم علي جدران المنزل من الداخل والخارج زينة من الورود والشجر وشمس مبتسمة تنتظر قدوم المولود لتكون شاهداْ عن فرحته لكل من يأتي لزيارته.

كان يجلس بجوار هنية يضع رأسه أسفل صدر زوجته ليسمع حركات ولدة القادم وأحياناْ كان يحدثه ويتمتم لكي يخبره بأنه ينتظره بفارغ الصبر وأنه يريد أن يسمع صرخاته وضحكاته و كلماته تملئ هذا المنزل الصغير.

 

 

 

كانت زوجته تبتسم وتضحك علي أفعال عبد الواحد الصبيانية فكانت تشعر أحياناْ أن عبد الواحد هو الذي سوف يلد وليس هي, كانت تشعر بلهفة عبد الواحد لرؤية هذا الطفل وهي أيضاْ  عندما كانت تختلي بنفسها كانت تجلس لتُغني لهذا الجنين الذي يسكن أحشائها لتشعره بالراحة والأمومة وأنها تنتظره أيضاْ لتشعر بأمومتها ورغبتها القوية لتسمع كلمة أمي من بين شفتيه, كانت تجلس كل يوم لتحيك لة الكثير من الملابس وتزينها برسومات وأزهار تعبر عن فرحتها بقدومه.

كان يذهب عبد الواحد إلي المسجد في كل صلاة ويجلس مع شيخ المسجد بعد صلاة العشاء لكي يدعو له ولأبنة القادم بالخير والسعادة فكان يبتسم شيخ المسجد بسبب إلحاح عبد الواحد اليومي له بأن يدعو لمولودة القادم.

أحياناْ كان يشعر عبد الواحد بالخوف من المستقبل وأن القدر لن يمنحه تلك السعادة فمنذ متي كانت تلك الحياة بجواره فعاش يتيم وحيداْ يعاني من أفعال تلك الحياة معه فكان قلبة ينقبض أحياناْ من ذلك الشعور حتي أنه كان يخبر صديقة الشيخ يوسف شيخ المسجد قائلاْ : أشعر يا شيخ يوسف أنني لن أعيش كثيراْ حتي أري ابني القادم شاباْ أفرح به يوم زفافة فكل ما أتمناه من تلك الحياة أن اجد الكثير من الأبناء حولي أشاهدهم وهم يلعبون من حولي ويكبرون حتي أجدهم رجالاْ وعزوة لي في تلك القرية التي لا تحترم إلا العائلات الكبيرة والتي تتفاخر بأعدادها ومكانتها في مجتمع تجاهل قيمة الفرد نفسة

الشيخ يوسف : ولماذا هذا الشعور الكئيب يا عبد الواحد فتفاءل يا أخي لكي تجد التفاؤل في حياتك...... أينعم نحن نعيش وسط الكثير من العادات التي تشكلت بسبب الجهل الذي توارثناه منذ القدم ولكننا نستطيع أن نغيره بأيدينا فعندما تجد ولدك هذا إن شاء الله رجل صالح مُتعلم فسوف يغنيك عن عائلة كبيرة كل أفرادها جهلاء لا يدركون قيمة العلم في حياتهم

 

 

 

عبد الواحد : لا أعلم لماذا هذا الشعور ولكنة أحياناْ ينتابني وينقبض قلبي لذلك

الشيخ يوسف : يا صديقي كلنا لا نملك من أقدارنا شيئاْ فدع الخلق للخالق وأبتسم للحياة فسوف تُرزق بإذن الله بولد يحمل اسمك وتحمل أبنائه من بعدة

عبد الواحد : ربما يا شيخ يوسف ولكن هل لي أن أطلب منك شيئاْ ؟

الشيخ يوسف : بالطبع عبد الواحد فأنت صديقي المُقرب ماذا تريد؟

عبد الواحد : إن توفيت في يوماْ ما كن حريصاْ علي ولدي هذا وعاملة مثل ابنك فأخي ليس بالأخ الذي أستطيع أن أعتمد علية أو اتئمنه في تربية ولدي هذا

الشيخ يوسف : أعوذ بالله من وسوسة الشيطان ثق بالله يا عبد الواحد وأعلم أن الله يرزق الطير في كبد السماء فما بال ولدك يا أخي وعلي أي حال أوعدك بذلك ولكن أخبرني إذا منحك الله ولداْ ماذا سوف تُسمية؟

عبد الواحد : سوف يكون حسين بإذن الله وإذا أكرمني الله بولد أخر فسوف أُسمية حسن تبركاْ بأحفاد الرسول علية الصلاة والسلام

الشيخ يوسف : ونعم الاسم يا عبد الواحد فسوف يكون بلاشك مصدر خير وبركة في منزلك هو وإخوته بإذن الله

 

 

 

الأيام والشهور كانت تمر علي عبد الواحد ثقيلة حيث كان ينتظر قدوم المولود الجديد , كان يتابع زوجته وقد بدأت أعراض الولادة تقترب كلما تقدم الحمل بها فكان يعود مبكرا من الأرض ليساعدها في عمل المنزل وترتيبه وأحياناْ الطهو لأنه كان يعلم أن هنية ذات جسد نحيف وضعيف والحمل يسبب لها الكثير من الإرهاق والتعب أيضاْ فكانت تبتسم لما يفعله قائلة : كل هذا من أجل الطفل القادم ؟

عبد الواحد : لا من أجلك أنت زوجتي الطيبة فأن أشعر بمعاناتك وتحملك لفعل كل شيء من أجلي وهذا جزء بسيط من حبي لكي فيكفيني أن الله مّن علي بزوجة صالحة مثلك تحبني وتسهر علي راحتي و لا أراها سوي مبتسمة وتتحملين معي كل تلك الظروف القاسية بدون أن تشعريني بذلك وهذا هو الحب الصادق الذي كنت أتمناه من الله في زوجتي حبيبتي يا أم حسين

تعجبت هنية قائلة : أراك قد اخترت اسم المولود وأيقنت أنه ولداْ فمن أين لك هذا اليقين يا أبو حسين؟

عبد الواحد : لا أعلم ولكن أشعر أنه سوف يكون ولداْ وأسمة حسين بإذن الله

 

 

 

اقتربت ساعة الولادة حيث استيقظ عبد الواحد في إحدى ليالي الصيف مفزوعاْ علي صرخات زوجته تناديه بأنها سوف تلد في أي لحظة فهب مُسرعاْ يجري نحو منزل الداية وهي تلك السيدة التي تُساعد النساء في الوضع والولادة وهي تقطن في إحدى نواحي القرية حيث أتت معه مُسرعة لتساعد زوجته في الولادة فكان يسرع بتسخين الماء ليساعد الداية في عملها في حين أن صرخات زوجته كانت تخترق سكون تلك الليلة الصيفية التي تعكس ضوء القمر في باحة المنزل الصغير وتلك النجوم التي تراصت في وضع المنتظر لسماع صرخات المولود الجديد لتبلغ الجميع بأن هنالك مولود قادم لتلك الحياة.

مرت ساعة علي بداية علامات الولادة وقلب عبد الواحد ينتفض من الخوف علي زوجته فكان يجلس يقرأ لها القرآن ويصلي طلباْ في أن يخفف الله ألامها وصرخاتها.

بالفعل سمع عبد الواحد صرخات المولود تدوي في جنبات المنزل حيث شعر أن كل شيء في منزلة يرقص سعادة بسماع تلك الصرخات الأولي القادمة من تلك الغرفة.

خرجت الداية مُسرعة إلي عبد الواحد وجهها يمتلئ فرحة وسعادة قائلة :

مبروك يا بني لقد رُزقتَ بولد جميل الطلعة مثل ذلك البدر الذي ينير ليلتنا تلك

عبد الواحد : أخبريني أنك لا تمزحين معي هل أصبحت أب لولد مثل ما تقولين؟

الداية : نعم يا عبد الواحد لقد أصبحت أب لولد جميل مثل أمة ولكن أخبرني ماذا سوف تختار له من اسم لكي أناديك به يا بني ؟

عبد الواحد : بالطبع حسين ..... سوف يكون حسين بإذن الله

الداية : إذا ألف مبروك يا أبو حسين ..... ويكون فاتحة خير عليك وعلي زوجتك

 

 

 

كان عبد الواحد لأول مرة يسمع أحد يناديه بذلك اللقب الرائع الذي انتظره لمدة طويلة جداْ حتي قبل زواجه كان يشعر لأول مرة أن شعور الغُربة والوحدة سوف يرحل عنة للأبد بقدوم حسين إلي تلك الدنيا حيث يحمل له السعادة وحُب الحياة.

 

Post a Comment

أحدث أقدم