عبد الواحد ( الجزء الأول )
في إحدي تلك القري المتناثرة في أرجاء الدلتا حيث تتزاحم
تلك القري بعضها البعض علي ضفتي نهر النيل الذي امتدّ منذ آلاف السنين عبر صحراء
مصر ليخلق من حوله حضارات ومجتمعات منذ فجر التاريخ وهي تعاني من قسوة الحكام وعدم
المساواة والعدل عبر التاريخ
تلك المجتمعات كانت عنواناً للسُخرة والظلم الاجتماعي,فهنالك
الكثير من الفلاحين الذين سكنوا تلك البقاع منذ آلاف السنين في تلك المجتمعات
الريفية التي توارثت الكثير من التقاليد المتحجرة عبر كل تلك الأجيال المُتعاقبة
فالكثير منهم كان يعاني من الفقر والعوز والعمل الدائم في أراضي الغير من وجهاء
تلك القري الذين يملكون الكثير من تلك الأراضي منذ فترات طويلة نتيجة لغياب
العدالة الاجتماعية طوال العهود السابقة
فعندما تجوب تلك القري تجدها
مُتشابةً في
كثير من نواحي الحياة العادية وطبقات الناس التي لم تختلف كثيراْ منذ القدم منذ العصور
الأولي وحتي إلي عهد قريب فالحياة مُرتبطة بشكل مُباشر أو غير مباشر بالأرض لأنها
كانت دائماً هي مصدر السعادة أوالشقاء لكل من يسكن في تلك القري من جميع الطبقات
المتنوعة داخل المجتمع الصغير للقرية والذي يشبه المُجتمع المصري ككل,فتلك المنازل
القديمة التي نراها مبنية من الطوب اللبن والطين وأخشاب الأشجار و الحطب الذي يغطي
سقف تلك المنازل الصغيرة والتي استمرت منذ بداية معرفة الإنسان بالزراعة وحتي عهد
قريب كانت الغالبة والسائدة في جميع أطراف القرية حيث يسكنها أغلب سكان القرية
الذين يعيشون علي مايتبقي من الطبقات الحاكمة والتي توارثت كل شيء عبر التاريخ
والتي تغيرت أشكالها فقط مع تغير الحقبات التاريخية ولكن المبدأ لم يتغير طوال كل
تلك العهود
هذا المبدأ هو عدم وجود عدالة حقيقية لتلك الطبقة العريضة من الفلاحين علي
الرغم من محاولات قانون الإصلاح الزراعي إعادة العدالة الاجتماعية لتلك الطبقة
التي ظُلمت لآلاف السنين لكن لم يتحقق ذلك بسبب تلك الطبقة الطفيلية التي كانت
تظهر في كل عهد يظنه الفلاح أنه عهد جديد بالنسبة له,فالفلاح يعمل من أجل الغير
ويعيش في حالة لايرثي لها فهو فريسة لكل تلك الأمراض المستوطنة والإهمال في كل
جوانب الحياة لذلك كان يشعر الفلاح أن تلك الأرض التي يزرعها ربما لم تكن يوماً
ملكاً له ولكنه كان يشعر أن كل حياته مُرتبطة بها
وأن الأمل بأن يملك تلك الأرض
في يوماً ما هو حلم ثوري أراد أن يحققه علي مر كل تلك الثورات التي مرت بها مصر في
العهد الحديث. أما الطبقة الثانية من باقي أهل تلك القري والتي كانت لها خصائصها
المميزة في داخل هذا المجتع القروي في مصر فكان يعلمها القاصي والداني فالقليل منهم من كان يملك تلك المنازل المبنية
بالطوب الأحمر والتي تكون في الغالب في منتصف تلك القري والتي تدل علي ثراء أهلها
وأنهم من يملكون الغالبية من أراضي تلك القري وهم أيضاً من يملكون مفاتيح السلطة
علي مر العصور مع السلطة المركزية في العاصمة.
في تلك البيوت التي كانت تتراص علي أطراف القرية والتي
كانت تشمل بين جُدرانها
معاناة ويأس هؤلاء
الفقراء والذين كانوا يصارعون من أجل البقاء علي قيد الحياة فقط فكل شيء غير هذا فهو
شيء ترفيهي حتي من يقوم بإرسال ابنه لة لكي يتعلم فهذا معناه حياة أشد قسوة لباقي أفراد
تلك العائلة من أجل تحقيق ذلك الحلم.
ففي أطراف قرية صغيرة من تلك القري كان يوجد منزل صغير
مبني من الطوب اللبن يبدو للوهلة الأولي أنه منزل بسيط وصغير ولكنه كان مختلف عن
باقي تلك المنازل التي تمليء تلك القرية ربما لأن صاحب هذا المنزل رجل بسيط في كل
شيء حتي في تعاملاته مع باقي أهل القرية فكانت الابتسامة لا تفارق شفتيه ربما لأنه
كان يشعر أن أهل تلك القرية هم عائلته التي لم يكن يجدها من حوله في واقع الأمر.
كان يُدعي عبد الواحد رجل فقير لا يمتلك من حطام الدنيا
سوي بعض القراريط التي يزرعها بحب وسعادة حيث لم يكن له في تلك الدنيا سوي أخ واحد
يدعي سالم ولكن ذلك الأخ لم يكن يهتم بأمر أخيه ربما لقسوة تلك الحياة علي الجميع
أو ربما لأشياء أخري لم يكن يعلمها عبد الواحد ولكن كان يشعر بها عبد الواحد, كان
دائماً السؤال عن أخيه الأكبر فلم يكن له أحد سواه في تلك الحياة بالإضافة إلي
زوجته هنية التي كانت تشعر بالسعادة بجواره بسبب حُبه الشديد لها ومحاولاته
الدائمة لإسعادها رغم أن الأرض لم تكن تمنحه الكثير لكي يشتري لها الكثير من
الأشياء التي تسعدها مثل باقي النساء.
كان عبد الواحد يتذكر عندما كان مازال صغيراً وعُمره لم
يتعد السادسة حينما
ذهب مع والده لكي يستلم عقد الخمسة
فدادين والتي وزعتها حكومة الثورة علي الفلاحين من خلال قانون الإصلاح الزراعي حيث
أعاد الأرض لأصحابها بعد مئات السنين , مازال عبد الواحد يتذكر فرحة أبيه والابتسامة
العريضة عندما تسلم عقد الخمسة فدادين وهو لا يصدق ذلك فكل أجداده عاشوا يتمنون تلك
اللحظة الرائعة في حياة كل فلاح مصري عاصر تلك الحقبة من المد الثوري
كان يتذكر فرحة
أبيه وهو يعمل ويكد ويجتهد مع ابنه الأكبر سالم الذي كان يكبره بعدة سنوات, كانوا يزرعون
تلك الأرض سوياً الأب والإبن الأكبر ولكن القدر لم يمنح والد عبد الواحد تلك الفرصة
لكي يعيش طويلاً يشاهد تلك الأرض التي تملكها من حكومة الثورة فالأب قد رحل وترك عبد
الواحد صغيراً في كنف أمه وسالم الذي تسلم زمام الأرض من بعد أبيه حيث كان المتحكم
في كل شيء من بعد رحيل والده .
يتبع .....
يتبع .....
إرسال تعليق